تؤدي نائبة رئيس البنك الدولي "إنغر أندرسن" مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيارة إلى تونس اليوم الاربعاء للتطرق لأولويات المرحلة في تونس في ما يهم الجانب الاقتصادي بالإضافة إلى برنامج دعم البنك الدولي لتونس.
وقد خصّت "إنغر أندرسن" "الصباح نيوز" بمناسبة زيارتها إلى تونس بهذا المقال :
الشهر الماضي، وقفنا أنا وزملائي متأثرين متضامنين ونحن نشاهد أعضاء المجلس التأسيسي التونسي المنتخبين وهم يرددون نشيد بلادهم الوطني بعد تصويتهم على الدستور الجديد. دستورٌ يؤكد على شفافية الحكومة ويضمن المساواة بين الجنسين وتساوي تمثيل الرجال والنساء في المجالس المنتخبة.
خلال السنوات الثلاث التي مرت منذ زيارتي الأولى إلى تونس بعد ثورة جانفي 2011 بقليل، شاهد العالم هذا البلد وهو يسير في دربه نحو الديموقراطية. دور اللجنة الرباعية كان ملهماً في قيادة الحوار الوطني والتوسط لايجاد الحلول وتخطي الأزمات. أما المجتمع المدني فقد كان جاهزاً للاضطلاع بمهمة الوسيط والرقيب. بدورها لعبت مجموعات الضغط ووسائل الإعلام دوراً محورياً من خلال إطلاع المواطنين على عمل المجلس التأسيسي وإبقاء أعضائه قيد المساءلة. السياسيون وضعوا اللُحمة والأهداف المشتركة فوق الإنقسام والفتنة. قصة تونس، هي قصة مثابرة أيضاً. فلقد نجحتفي تخطي العقبات العديدة أمامها، والتي كانت لتخرج التونسيين عن سكة الوصول إلى مبتغاهم: المساءلة والمحاسبة، وإيصال الصوت، والاشتمال.
وإذأعود اليوم في زيارة أخرى إلى تونس، لا بد لي من التنويه بهذه التحولات الناجحة، ومن الثناء على جهود الشعب التونسي. كما لا بد لي من تهنئة الحكومة الجديدة والتأكيد على أنه يمكن لتونس الإعتماد على دعم البنك الدولي الكامل. كذلك أريد أن أغتنم هذه الفرصة للتعبير عن الحزنالعميق على الذين قضوا خلال هذه الفترة، ومن ضمنهم شكري بلعيد ومحمد براهمي.
لقد قطعت تونس شوطاً كبيراً، وهناك إنجازات كبيرة تدعو إلى الفخر، لكن ينبغي اليوم التركيز على التعافي الإقتصادي، الذي لم يُوازِ بعد الإنجازات السياسية والإجتماعية المدهشة. وأسعى خلال زيارتي لأن أشدد على أهمية معالجة هذه المسألة. ففي نهاية الأمر، الاقتصاد هو الذي يوفر الوظائف والفرص للشعب التونسي. كذلك فإن التعافي الاقتصادي هو في صلب متطلبات الحفاظ على مسار التغيير في تونس. والآن، حان وقت الجمع بين الإنجازات التي تحققت والإصلاحات الاقتصادية الجريئة التي ستزيد من الشفافية والمنافسة والمساواة.
لفترة طويلةظل الاقتصاد التونسي أضعف منإقتصادات منافسيه وكان غير قادرعلى تأمين الوظائف التييحتاجها التونسيون، مما أدى إلى تدني الاستثمارات وارتفاع الأسعار. وفي ظل حكم النظام القديم، أدى انعدام المنافسة إلى استئثار الأسرة الحاكمة بالسلطة التيكانت تتصرف بدون حسيب أو رقيب فيما يعانى الاقتصاد التونسي.لكن أسس هذا النظام مازالت قائمة إلى حدٍكبيرٍ حتى يومنا هذا، لذا فقد آن الأوان لكي تقوم تونس بإصلاحات جوهرية لقوانين المنافسة والاستثمار وفي القطاع المصرفي حتى تتكافأ الفرص أمام جميع المواطنين.
كثير من أصدقائيالتونسيين يقولونبإرجاء هذه الإصلاحات حتى يستقر الوضع السياسي. ومن المؤكد أن تونس تواجه مطالب عاجلةينبغي معالجتها فوراً. فما زال الأمن تحدياً ملحاً، والاقتصاد هشاً إزاء الصدمات الداخلية والخارجية، وذلك بحسب تقرير صادر مؤخراً عن البنك الدولي، كما ستختبر الانقسامات التي تعاني منها البلاد القدرة على تحقيق الوفاق.
لكنإن لم يبدأالإصلاح الآن، فمتى إذن؟
أعتقد أن إصلاح الاقتصاد سيرسخ التقدم السياسي والاجتماعي، وسيسرع من وتيرة التنمية في تونس، وسيضمن لها النجاح على الساحتين الاقليمية والدولية.
بفضل المواد الواردة في الدستور الجديد، بات اليوم لدى قادة تونس التفويض اللازم لضمان إمكانية تطوير الوضع الداخلي حتى يتسنى لكل تونسي الحصول على الخدمات الأساسية والعثور على فرصة عمل. كما توفر المواد الدستورية المتعلقة باللامركزية السياسية الفرصة للتنمية المحلية التي لن تمكن المواطنين فحسب، بل بإمكانهاإحداث تحول في التنمية الإقليمية لتصبح تونس نموذجاً يحتذى به في المنطقة. والفرصة الآن متاحة لإرساء الأسس اللازمة لذلك.
فعلى صعيد الأعمال شَرَعت الحكومة، بالاشتراك مع القطاع الخاص، في مشروع اصلاحات طموح للنظم الحكومية والبيروقراطية، والتي من شأنها تذليل العقبات الإدارية أمام القطاع الخاص، وتخفيض حالاتالاستنساب، وتأمينشفافية أكبر في قرارات الحكومة. وستساعد المراجعة التي ستجرى قريباً للبنوك العامة في عملية إصلاح النظام المصرفي حتى يغدو أكثر شفافية، وأفضل إدارة، وأكثر قدرة على تقديم الائتمان لأصحاب العمل الحر في تونس. كذلك يمكن للإصلاحات المباشرة والمطابقة للمعايير الدولية في قواعد التوريدات العامة أن تفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات في المناطق المتخلفة في تونس، وهو أحد المطالب الرئيسية للثورة.
وفي هذا السياق، أود أن أؤكد على التزام البنك الدولي تجاه تونس التي كنا بجانبها طوال المرحلة الانتقالية.لقد قدمنا الدعم المالي والنصح والمساندة الفنية للمساعدة في إدارة العملية الانتقالية والعمل من أجل مستقبل أفضل وأكثر رخاء لجميع التونسيين. وواصلنا العمل مع الحكومة التونسية على صعيد الإصلاحات لدعم النمو الاقتصادي، وخلق الوظائف، وضمان حق المساءلة، فضلاً عن تحسين الإدارة العامة.وسيظل البنك الدولي شريكاً وفياً للشعب التونسي.
لقد كشف إقرار الدستور الجديد في تونس للعالم ما كان يعلمه التونسيون جيداً، وهو أن التوافق ممكن وأن التحول في تونس يمكن أن ينجح. رسالتي ستكون هي نفسها التي وجهتها في زياراتيالسابقة إلى تونس الجديدة:البنك الدولي مستعد للاضطلاع بدوره للمساعدة في ضمان نجاح العملية الانتقالية.
"الصباح نيوز"